الإنتماء والحرية والصراع
هل من تناقض بين الإنتماء والحرية كما يتوهم الكثيرون؟
هل صحيح أن الحرية لا تتفق مع الإنتماء؟ ما الحرية وما الإنتماء؟
"إن حق الحرية هو حق الصراع، وحق الصراع هو حق التقدم وحق التقدم هو حق الحياة" (سعاده)
إنها ليست صراعاً سلبياً ينتج عنه تخريب كما يفهم الأموات الصراع. إنه صراع الافكار والعقائد والمفاهيم
لينهزم البالي منها وينتصر الجيد والصالح لبناء مجتمع أفضل وحياة أجمل.
وفي هذا الصراع الإيجابي البنائي المقدّس يجب أن تسقط عقائد ومفاهيم وتنتصر عقائد ومفاهيم.
يجب أن يكون هناك غالب ومغلوب. وفي تاريخ الصراع في العالم كان هناك دائماً غالب ومغلوب.
الفاسد سينغلب ويسقط حتماً، والصالح والقوي والجميل سينتصر ويبقى وتجود به الحياة.
هكذا تكون الحرية صراع وضمن هذا المعنى من لم يكن له عقيدة ونظرة إلى الحياة،
ماذا يكون دوره في الصراع؟ بماذا يصارع؟ من أجل ماذا يصارع؟
إن من لا هوية فكرية له ولا قضية إجتماعية إقتصادية سياسية ينتمي إليها ويصارع بها ولها، لا نصيب له من الحرية بمعناها الجديد!
هكذا نفهم ونعرف أن الإلتزام والإنتماء في الفكر وفي الأدب لا يعني ابداً أن تكون مقيداً ومحصوراً ضمن أفكار فئوية ضيقه غير مسموح لك أن تخرج عنها. لا، إن ذلك ليس معناه إلتزام أو إنتماء، إن ذلك معناه عبودية وفقدان شخصية، معناه وظيفة كاتب مأجور عند السلطان. إن الإلتزام والإنتماء شرطهما الوعي والإيمان واليقين بالعقل والإدراك، وإذا فقد اليقين والإيمان فقد معه الإنتماء.
والحرية في الأدب ليس معناها أن تكون مجرداً من اي سلاح في معركة الصراع، طليقاً من أية فكرة او فلسفة او نظرة معينة واضحة إلى الحياة
تقتنع بها في عقلك ونفسك وتؤمن أنها صالحة لبناء مجتمع أفضل وأجمل وأقوى. ليس معنى الحرية أن تكون إنتقائياً او متنزهاً جوالاً بين الأفكار والمفاهيم
دون أن يكون لك موقف ورأي واتجاه، دون أن تعتنق وتنحاز ويستقر فكرك ووعيك على أمر حاسم، دون أن تنتمي!
إن عدم الإنتماء ليس معناه حرية أو فكرٍ حر أو أدب حرٍ، إنه فوضى واختلاطات فكرية ونفسية وعدم جدوى وعدم قدرة على المساهمة في تطور الفكر
وفعالية الفكر وفي النهوض بالفكر والأدب والحياة وصناعة نهضة حقيقية فاعلة. إن أصحاب المفهوم البائد للحرية مهما برعت لغتهم وجذلت ألفاظهم
فأنهم يحلِّون علم الكلام محل علم الإجتماع والإقتصاد والتاريخ. وكما قال الأدُباء: "إن جذالة اللفظة لا تغني عن وضوح الفكرة".
عندما يكون معنى الإنتماء ومعنى الحرية واضحاً هذا الوضوح، نستطيع أن نقول بكل ثقة، نستطيع أن نقول الغد أفضل.
"عدد لا بأس به من مخربشي الأفكار يسبقون أسماءهم بحرف الدال عند توقيعهم لما يكتبون، لكنه يعود إلى فطنة القاريء تقرير ما إذا كانت تلك الدال تعني دكتوراً أو دجالاً."
أيضاً:
"من العبث أن تقرع أبواب الأموات الموصدة محاولة في إيقاظهم، فالموت حالة نهائية لا رجوع عنها. ثم حذار أن تكون غبياً وتحاول كسر أو خلع تلك الأبواب، إذ غالباً ما تكمن وراءها روائح نتنة تزكم الأنوف وتقتل الهمم."